اللهم انزل علينا الغيث ولاتجعلنا من القانطين
اللهم اغث بلادنا بالامطار واغث قلوبنا بالطاعات
اله يجزاكي كل خير ويبارك الله فيكي
صفة صلاة الاستسقاء كصلاة العيد، يعني: أنه يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، هذا هو القول الراجح، يبدأ بالصلاة ركعتين، صفتهما كركعتي العيد، يفتتح الأولى بسبع تكبيرات بعد التحريمة، يقف بين كل تكبيرتين قدر ما يقول: "الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا إلى آخره، كذلك الثانية يفتتحها بخمس تكبيرات، يجهر فيها بالقراءة، يقرأ فيها ما تيسر، سواء قرأ بسبح والغاشية أو بغيرهما، يرفع يديه مع كل تكبيره من التكبيرات الزوائد وبعد ما يصلي ركعتين يخطب بهم، إلا أنه ذكروا أن الخطبة واحدة، خطبة العيد يخطب خطبتين يجلس بينهما، وأما الاستسقاء فيخطب خطبة واحدة، وإن أطال وجلس وخطب ثانية فله ذلك؛ لأن الجلوس بين خطبتي الجمعة لأجل أن يريح نفسه بعد الخطبة الأولى.
الخطبة يقف على مكان مرتفع، يجعل له مكان مرتفعا بدرجتين أو ثلاث، يأمرهم بالتوبة، يأمرهم بالتوبة وذلك لأن الذنوب سبب العقوبات، والتوبة تمحو الذنوب، التوبة هي الإقلاع عن السيئات والمخالفات، ولها ثلاثة شروط أولها: الإقلاع عن الذنب، الذي يقول: أنا تائب وهو مستمر على ذنبه لا تقبل توبته، الثاني: الأسف والندم على ما مضى من السيئات، وطلب الله المغفرة، الثالث: المعاهدة والتعهد أنه لا يعود إلى الذنوب مرة أخرى، بل يقلع عنها ويتركها بقية حياته، يأمرهم بالتوبة النصوح.
ثانيا: يأمرهم بترك الظلم، أي: ترك الظلم بينهم، في الحديث القدسي
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا </A>
فيحثهم على التخلي عن المظالم، وأن يرد كل منهم ما عنده من المظالم، سواء كان الظلم بين العبد وبين ربه بالتوبة، أو بين العباد فيما بينهم.
ثالثًا: يستحب صيام ذلك اليوم ليكون سببا في قبول الدعاء، جاء في حديث
دعوة الصائم لا ترد </A>
أو
ثلاثة لا ترد دعوتهم: -ذكر منهم- الصائم حتى يفطر </A>
.
رابعا: يأمرهم بالصدقة، يأمرهم أن يتصدقوا؛ لأن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والصدقة تدفع ميتة السوء، ولعل هذه الأوامر يأمرهم بها قبل الخروج، يعني: في يوم الجمعة أو في خطبتها أو في المجتمعات يأمرهم بهذه الأربع: "التوبة وترك الظلم والصيام والصدقة".
يخرج بهم ليوم يعدهم فيه يحدد لهم يوما، ثم يخرجون ويخرج الإمام، يخرجون ببذلة أي: بثياب بذلة، لا يخرجون بإعجاب ولا بتكبر ولا بتجمل، بل يخرجون بثياب متواضعة، وهي ثياب البذلة، أي: الثياب العادية، فلا يلبسون ما يلبسونه في أيام الأعياد.
يخرجون أيضا بتخشع، أي: بخشوع وخضوع خاشعة أبصارهم، ذليلة أبدانهم، منكسرة قلوبهم، يخرجون بتذلل، أي: يؤثرون التذلل، الذل لله -تعالى- سبب للعز، فيتركون الترفع بأنفسهم والشموخ بأنوفهم والتكبر على ربهم، بل يتذللون لله ويستكينون له، كذلك يتضرعون، التضرع هو كثرة الدعاء مع الإلحاح فيه ومع إظهار الضراعة التي هي الخشية ونحوها.
إذا خرجوا كلهم بهذا التبذل والتخشع والتذلل والتضرع رجي بذلك أن يجيبهم الله؛ لأنه قال في بعض الآثار: "أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" كذلك لا يتطيب إلا أنه لا يكون مع رائحة منتنة، بل يكون في ثيابه العادية ولا يحتاج إلا أن يطيب ثيابه، هذه صفة خروجهم.
يصلي بهم ركعتين، يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، الركعتان مثل ركعتي العيد في افتتاحها بالتكبيرات الزوائد وفي الجهر بالقراءة، يخطب بعد ذلك واحدة خطبة واحدة، وإن أطالها واحتاج أن يجلس في أثنائها فله ذلك، تحتوي هذه الخطبة على الاستغفار والدعاء يكثر فيها من الآيات التي فيها الاستغفار أو الأمر به، مثل قول نوح:
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا </A>
من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب </A>
.
ذكر أن ابن عباس ألقى مرة موعظة، وجعل الناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: إني مئناث -لا يولد لي إلا إناث- فقال له: عليك بالاستغفار، أكثر من الاستغفار، وقرأ له هذه الآية:
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ </A>
ما قال ببنين وبنات،
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا </A>
يقول ذلك الرجل: فلزمت الاستغفار، فكنت استغفر كل يوم ألف مرة، يقول: استغفر الله، استغفر الله في الصباح والمساء، فرزقه الله -تعالى- بنينا، وهذا مصداق ما ذكر الله
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ </A>
فالاستغفار سبب لأن يمد الله -تعالى- عباده، ويجعل لهم أنهارا، أي: جارية، ومثل قوله مع هود -عليه السلام-:
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ </A>
أمرهم بالاستغفار وأخبرهم بأن الله -تعالى- يرسل السماء عليهم مدرارا، أي: يغيثهم ويذكر لهم الأدعية التي فيها الاستغفار، مثل قوله تعالى:
وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى </A>
ومثل قوله حكاية عن الأبوين:
قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ </A>
.
هكذا أخبر أنهما بادرا إلى المغفرة
وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ </A>
وقول بني إسرائيل:
لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ </A>
وقول نوح -عليه السلام-:
وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ </A>
وقول موسى:
رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ </A>
والآيات مثلها كثيرة.
وكذلك أيضا ما ذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن سعود أو قال ابن عمر "كنا نعد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحد مائة مرة ربي اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم" وكان يقول:
أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة </A>
يقول:
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه </A>
أو يقول:
ربي اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم </A>
ونحو ذلك.
الغفر هو الستر، اغفر لي يعني: استر سيئاتي، ومنه سمي المغفر الذي يلبس على الرأس؛ لأنه يستر الرأس من وقع السلاح، فمعنى اغفر لي يعني: امحوا سيئاتي وأزل عني آثارها واسترها ولا تؤاخذني بها.
ويكون هذه الاستغفار من أحب الأعمال إلى الله، وذلك لأن فيه اعتراف العباد بأنهم مذنبون، وأن الله -تعالى- هو الذي يغفر الذنوب كما في قوله تعالى:
لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ </A>
فيكثر من الاستغفار سواء بالآيات أو بالأحاديث.
جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- قال:
سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء بك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت </A>
هكذا أخبر بأن هذا سيد الاستغفار .
وطلب أبو بكر -رضي الله عنه- أن يعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاء يدعو به في صلاته، فأرشده أن يقول:
اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم </A>
هذا وهو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، أمره بأن يعترف بذنبه حتى يغفر الله -تعالى- له، وكذلك أمر الله نبيه أن يستغفر لذنبه وللمؤمنين:
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ </A>
هكذا أمره أن يستغفر لذنبه، مع أن الله -تعالى- قال:
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ </A>
أخبر بأنه قد غفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه، ومع ذلك كان يستغفر الله، كان يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة.
يكثر أيضا من الدعاء، والمأثور أحسن، أي: المأثور من الدعاء أولى بأن يأتي به، ذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حفظ عنه أنه كان يدعو فيقول:
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث </A>
هذا من المأثور.
ومن المستحسن أن يقول: اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، القانطين هم الذين يقطعون الرجاء .
في قوله تعالى:
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا </A>
هكذا أخبر من بعد ما قنطوا دل ذلك على أن القنوط قد يقع منهم، فيقول: لا تجعلنا من القانطين، أي: الآيسين من فضلك، حفظ عنه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في دعائه:
اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت </A>
هذا من المأثور، فالمأثور أحسن.
وإن دعا بغير ذلك مما يستنبط من الآيات إذا قال: "اللهم أنزل من السماء ماء طهورا فأسق به بلدة ميتا" أسقي به بلدة ميتا أو فأحي به بلدة ميتا، وأسقيه مما خلقت أنعامًا وأناسي كثيرة، هذا مأخوذ من الآية التي في سورة الفرقان، إذا قال: "اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك" فإن ذلك من الأدعية المأثورة يعني: المنقولة إما مرفوعة، وإما عن سلف الأمة.
وهكذا إذا قال: اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا، أو اللهم ارفع عنا الجوع، ارفع عنا الجوع والجهد والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللاؤاء والشدة والضيق والضنك ما لا نشكوه إلا إليك، يكثر من الأدعية بعد الموعظة وبعد التذكير.
ثم بعد ذلك يحول ردائه إذا كان على المعتاد أن الأكسية التي عليهم إزار ورداء كلباس المحرم، بعد الخطبة يستقبل القبلة ويدعو، كذلك أيضا المصلون يدعون ويرفعون أيديهم دعاء خفيا، ثم يقلبون أرديتهم، يجعل ظاهره باطنه، إذا كان عليه رداء جعل باطنه ظاهره، وإن كان عليه عباءة أو مشلة جعل ظاهره باطنه، يعني: قلبه، وإن لم يكن عليه إلا عمامته قلبها أيضا، أي: حولها فجعل الظاهر باطنا، قيل إن الحكمة في ذلك أن تتحول الحال أن يحول الله -تعالى- حالتهم من بؤس إلى سعة، من ضيق إلى سعة، من شدة إلى فرج، من قحط إلى خصب، يحول الله -تعالى- حالتهم، يقول: إذا كان عندهم أهل الذمة، أهل الذمة هو المعاهدون الذين لهم عهد ولهم ذمة من اليهود أو النصارى، فإنه يجوز أن يخرجوا، ولكن يكونوا في ناحية يستغيثون ويدعون في ناحية، ولا يختلطوا مع المسلمين .
إذا أرادوا الخروج؛ وذلك لأنهم لهم ديانة ولهم رزق رزق من الله -تعالى-، فلا يمنعون أن يخرجوا، ولكن لا يخرجون في يوم خاص، بل يكون خروجهم يوم يخرج المسلمون، فلا يخرجون بيوم لماذا؟ مخافة أن ينزل المطر بعد استغاثتهم فيعتقد العوام أنهم أولى بالهدى، ويقولون: دعونا فلم يقبل منا، ودعا اليهود فقبل منهم، لا يؤذن لهم أن يخرجوا في يوم خاص.
إذا نزلت الأمطار وخيف الغرق وخيف كثرة الغرق، فإنه يدعو، ذكر أن ذلك أن رجلا دخل والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، وقد ادلهم المطر وكثر واستمر أسبوعًا، فخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله تهدمت القصور، وانقطعت السبل، فادعوا الله يمسكها فرفع يديه وقال:
اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر </A>
فانجابت الغيوم وخرجوا يمشون في الشمس .
يقول أيضا يقرأ أو يدعو بآخر سورة البقرة
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ </A>
.
هكذا يدعو إذا دعوا، ولكن ما نزل المطر يعيدون الاستسقاء مرة أخرى وثالثة ورابعة؛ حتى يرحمهم بكثرة دعائهم، إن الله يحب الملحين في الدعاء، وإذا تأخر المطر فعليهم أن يتفقدوا أنفسهم، ويعلموا أن ما أصابهم فإنه بشؤم ذنوبهم، فعليهم أن يتوبوا وأن يجددوا التوبة حتى يرحمهم الله تعالى.